الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المحلى بالآثار في شرح المجلى بالاختصار **
وَالْبَوْلُ كُلُّهُ مِنْ كُلِّ حَيَوَانٍ إنْسَانٍ أَوْ غَيْرِ إنْسَانٍ , مِمَّا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ أَوْ لاَ يُؤْكَلُ لَحْمُهُ نَحْوُ مَا ذَكَرْنَا كَذَلِكَ , أَوْ مِنْ طَائِرٍ يُؤْكَلُ لَحْمُهُ أَوْ لاَ يُؤْكَلُ لَحْمُهُ , فَكُلُّ ذَلِكَ حَرَامٌ أَكْلُهُ وَشُرْبُهُ إلاَّ لِضَرُورَةِ تَدَاوٍ أَوْ إكْرَاهٍ أَوْ جُوعٍ أَوْ عَطَشٍ فَقَطْ وَفُرِضَ اجْتِنَابُهُ فِي الطَّهَارَةِ وَالصَّلاَةِ إلاَّ مَا لاَ يُمْكِنُ التَّحَفُّظُ مِنْهُ إلاَّ بِحَرَجٍ فَهُوَ مَعْفُوٌّ عَنْهُ كَوَنِيمِ الذُّبَابِ وَنَجْوِ الْبَرَاغِيثِ. وقال أبو حنيفة : أَمَّا الْبَوْلُ فَكُلُّهُ نَجِسٌ , سَوَاءٌ كَانَ مِمَّا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ أَوْ مِمَّا لاَ يُؤْكَلُ لَحْمُهُ , إلاَّ أَنَّ بَعْضَهُ أَغْلَظُ نَجَاسَةً مِنْ بَعْضٍ , فَبَوْلُ كُلِّ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ مِنْ فَرَسٍ أَوْ شَاةٍ أَوْ بَعِيرٍ أَوْ بَقَرَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ لاَ يُنَجِّسُ الثَّوْبَ ، وَلاَ تُعَادُ مِنْهُ الصَّلاَةُ , إلاَّ أَنْ يَكُونَ كَثِيرًا فَاحِشًا فَيُنَجِّسُ حِينَئِذٍ وَتُعَادُ مِنْهُ الصَّلاَةُ أَبَدًا. وَلَمْ يَحُدَّ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ فِي الْكَثِيرِ حَدًّا. وَحَدَّهُ أَبُو يُوسُفَ بِأَنْ يَكُونَ شِبْرًا فِي شِبْرٍ. قَالَ : فَلَوْ بَالَتْ شَاةٌ فِي بِئْرٍ فَقَدْ تَنَجَّسَتْ وَتُنْزَحُ كُلُّهَا. قَالُوا : وَأَمَّا بَوْلُ الإِنْسَانِ وَمَا لاَ يُؤْكَلُ لَحْمُهُ فَلاَ تُعَادُ مِنْهُ الصَّلاَةُ ، وَلاَ يُنَجِّسُ الثَّوْبَ , إلاَّ أَنْ يَكُونَ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ الْبَغْلِيِّ , فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ نَجَّسَ الثَّوْبَ وَأُعِيدَتْ مِنْهُ الصَّلاَةُ أَبَدًا فَإِنْ كَانَ قَدْرَ الدِّرْهَمِ الْبَغْلِيِّ فَأَقَلَّ لَمْ يُنَجِّسْ الثَّوْبَ وَلَمْ تُعَدْ مِنْهُ الصَّلاَةُ , وَكُلُّ مَا ذَكَرْنَا قَبْلُ وَبَعْدُ فَالْعَمْدُ عِنْدَهُمْ وَالنِّسْيَانُ سَوَاءٌ فِي كُلِّ ذَلِكَ. قَالَ : وَأَمَّا الرَّوْثُ فَإِنَّهُ سَوَاءٌ كُلَّهُ كَانَ مِمَّا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ أَوْ مِمَّا لاَ يُؤْكَلُ لَحْمُهُ مِنْ بَقَرٍ كَانَ أَوْ مِنْ فَرَسٍ أَوْ مِنْ حِمَارٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ , إنْ كَانَ فِي الثَّوْبِ مِنْهُ أَوْ النَّعْلِ أَوْ الْخُفِّ أَوْ الْجَسَدِ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ الْبَغْلِيِّ : بَطَلَتْ الصَّلاَةُ وَأَعَادَهَا أَبَدًا. وَإِنْ كَانَ قَدْرَ الدِّرْهَمِ الْبَغْلِيِّ فَأَقَلَّ لَمْ يَضُرَّ شَيْئًا , فَإِنْ وَقَعَ فِي الْبِئْرِ بَعْرَتَانِ فَأَقَلُّ مِنْ أَبْعَارِ الإِبِلِ أَوْ الْغَنَمِ لَمْ يَضُرَّ شَيْئًا , فَإِنْ كَانَ مِنْ الرَّوْثِ الْمَذْكُورِ فِي الْخُفِّ وَالنَّعْلِ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ , فَإِنْ كَانَ يَابِسًا أَجْزَأَ فِيهِ الْحَكُّ , وَإِنْ كَانَ رَطْبًا لَمْ يُجْزِ فِيهِ إلاَّ الْغَسْلُ , فَإِنْ كَانَ مَكَانَ الرَّوْثِ بَوْلٌ لَمْ يُجْزِ فِيهِ إلاَّ الْغَسْلُ يَبِسَ أَوْ لَمْ يَيْبَسْ. قَالَ فَإِنْ صَلَّى وَفِي ثَوْبِهِ مِنْ خُرْءِ الطَّيْرِ الَّذِي يُؤْكَلُ لَحْمُهُ أَوْ لاَ يُؤْكَلُ لَحْمُهُ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ لَمْ يَضُرَّ شَيْئًا ، وَلاَ أُعِيدَتْ مِنْهُ الصَّلاَةُ , إلاَّ أَنْ يَكُونَ كَثِيرًا فَاحِشًا فَتُعَادُ مِنْهُ الصَّلاَةُ إلاَّ أَنْ يَكُونَ خُرْءَ دَجَاجٍ , فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى وَفِي ثَوْبِهِ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ أَعَادَ الصَّلاَةَ أَبَدًا , فَلَوْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ خُرْءُ حَمَامٍ أَوْ عُصْفُورٍ لَمْ يَضُرَّهُ شَيْئًا. وَقَالَ زُفَرُ : بَوْلُ كُلِّ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ طَاهِرٌ كَثُرَ أَمْ قَلَّ. وَأَمَّا بَوْلُ مَا لاَ يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَنَجْوُهُ وَنَجْوُ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ فَكُلُّ ذَلِكَ نَجَسٌ. وقال مالك : بَوْلُ مَا لاَ يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَنَجْوُهُ نَجِسٌ , وَبَوْلُ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَنَجْوُهُ طَاهِرَانِ إلاَّ أَنْ يَشْرَبَ مَاءً نَجِسًا فَبَوْلُهُ حِينَئِذٍ نَجِسٌ , وَكَذَلِكَ مَا يَأْكُلُ الدَّجَاجُ مِنْ نَجَاسَاتٍ فَخُرْؤُهَا نَجِسٌ. وَقَالَ دَاوُد : بَوْلُ كُلِّ حَيَوَانٍ وَنَجْوُهُ أُكِلَ لَحْمُهُ أَوْ لَمْ يُؤْكَلْ فَهُوَ طَاهِرٌ , حَاشَا بَوْلَ الإِنْسَانِ وَنَجْوَهُ فَقَطْ فَهُمَا نَجَسَانِ. وقال الشافعي مِثْلَ قَوْلِنَا الَّذِي صَدَّرْنَا بِهِ. قَالَ عَلِيٌّ : أَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فَفِي غَايَةِ التَّخْلِيطِ وَالتَّنَاقُضِ وَالْفَسَادِ , لاَ تَعَلُّقَ لَهُ بِسُنَّةٍ لاَ صَحِيحَةٍ ، وَلاَ سَقِيمَةٍ , وَلاَ بِقُرْآنٍ ، وَلاَ بِقِيَاسٍ ، وَلاَ بِدَلِيلِ إجْمَاعٍ ، وَلاَ بِقَوْلِ صَاحِبٍ ، وَلاَ بِرَأْيٍ سَدِيدٍ , وَمَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَسَّمَ النَّجَاسَاتِ قَبْلَ أَبِي حَنِيفَةَ هَذَا التَّقْسِيمَ بَلْ نَقْطَعُ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ بِهَذَا التَّرْتِيبِ فِيهَا أَحَدٌ قَبْلَهُ , فَوَجَبَ إطْرَاحُ هَذَا الْقَوْلِ بِيَقِينٍ. وَأَمَّا قَوْلُ أَصْحَابِنَا فَإِنَّهُمْ قَالُوا : الأَشْيَاءُ عَلَى الطَّهَارَةِ حَتَّى يَأْتِيَ نَصٌّ بِتَحْرِيمِ شَيْءٍ أَوْ تَنْجِيسِهِ فَيُوقَفُ عِنْدَهُ. قَالُوا : وَلاَ نَصَّ ، وَلاَ إجْمَاعَ فِي تَنْجِيسِ بَوْلِ شَيْءٍ مِنْ الْحَيَوَانِ وَنَجْوِهِ , حَاشَا بَوْلَ الإِنْسَانِ وَنَجْوَهُ , فَوَجَبَ أَنْ لاَ يُقَالَ بِتَنْجِيسِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ , وَذَكَرُوا مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَنَسٍ أَنَّ قَوْمًا مِنْ عُكْلٍ وَعُرَيْنَةَ قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَكَلَّمُوا بِالإِسْلاَمِ فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا كُنَّا أَهْلَ ضَرْعٍ وَلَمْ نَكُنْ أَهْلَ رِيفٍ , وَاسْتَوْخَمُوا الْمَدِينَةَ , فَأَمَرَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَوْدٍ وَرَاعٍ , وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَخْرُجُوا فِيهَا فَيَشْرَبُوا مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. وَبِحَدِيثٍ رُوِّينَا أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي فِي الْمَدِينَةِ حَيْثُ أَدْرَكَتْهُ الصَّلاَةُ وَفِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ وَبِحَدِيثٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ مَسْعُودٍ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي عِنْدَ الْبَيْتِ وَمَلاٌَ مِنْ قُرَيْشٍ جُلُوسٌ وَقَدْ نَحَرُوا جَزُورًا لَهُمْ , فَقَالَ بَعْضُهُمْ : أَيُّكُمْ يَأْخُذُ هَذَا الْفَرْثَ بِدَمِهِ ثُمَّ يُمْهِلُهُ حَتَّى يَضَعَ وَجْهَهُ سَاجِدًا فَيَضَعُهُ عَلَى ظَهْرِهِ , قَالَ عَبْدُ اللَّهِ : فَانْبَعَثَ أَشْقَاهَا فَأَخَذَ الْفَرْثَ , فَأَمْهَلَهُ , فَلَمَّا خَرَّ سَاجِدًا وَضَعَهُ عَلَى ظَهْرِهِ , فَأُخْبِرَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ جَارِيَةٌ فَجَاءَتْ تَسْعَى فَأَخَذَتْهُ مِنْ ظَهْرِهِ , فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلاَتِهِ قَالَ : اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. وَبِحَدِيثٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُمَرَ كُنْتُ أَبِيتُ فِي الْمَسْجِدِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكُنْتُ شَابًّا عَزَبًا , وَكَانَتْ الْكِلاَبُ تَبُولُ وَتُقْبِلُ وَتُدْبِرُ فِي الْمَسْجِدِ فَلَمْ يَكُونُوا يَرُشُّونَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ. ذَكَرُوا فِي ذَلِكَ عَنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، وَمَنْ بَعْدَهُمْ مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ وَسُفْيَانَ , كِلاَهُمَا عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ " صَلَّى بِنَا أَبُو مُوسَى الأَشْعَرِيُّ عَلَى مَكَان فِيهِ سِرْقِينٌ هَذَا لَفْظُ سُفْيَانَ , وَقَالَ شُعْبَةُ " رَوْثُ الدَّوَابِّ " وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ غَيْرِهِمَا " وَالصَّحْرَاءُ أَمَامَهُ , وَقَالَ : هُنَا وَهُنَاكَ سَوَاءٌ " وَعَنْ أَنَسٍ " لاَ بَأْسَ بِبَوْلِ كُلِّ ذَاتِ كِرْشٍ " وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ. قَالَ مَنْصُورٌ : سَأَلْته عَنْ السِّرْقِينِ يُصِيبُ خُفَّ الإِنْسَانِ أَوْ نَعْلَهُ أَوْ قَدَمَهُ قَالَ لاَ بَأْسَ. وَعَنْ إبْرَاهِيمَ أَنَّهُ رَأَى رَجُلاً قَدْ تَنَحَّى عَنْ بَغْلٍ يَبُولُ , فَقَالَ لَهُ إبْرَاهِيمُ : مَا عَلَيْك لَوْ أَصَابَك. وَقَدْ صَحَّ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ لاَ يُجِيزُ أَكْلَ الْبَغْلِ. وَعَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ : لاَ بَأْسَ بِأَبْوَالِ الْغَنَمِ. وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ وَنَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ فِيمَنْ أَصَابَ عِمَامَتَهُ بَوْلُ بَعِيرٍ قَالاَ جَمِيعًا : لاَ يَغْسِلُهُ. وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي وَعَلَى رِجْلَيْهِ أَثَرُ السِّرْقِينِ. وَعَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ : إنَّ لِي عُنَيْقًا تَبْعَرُ فِي مَسْجِدِي. قال أبو محمد : أَمَّا الآثَارُ الَّتِي ذَكَرْنَا فَكُلُّهَا صَحِيحٌ , إلاَّ أَنَّهَا لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْهَا : أَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فَغَيْرُ مُسْنَدٍ ; لاَِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرَفَ بِبَوْلِ الْكِلاَبِ فِي الْمَسْجِدِ فَأَقَرَّهُ , وَإِذْ لَيْسَ هَذَا فِي الْخَبَرِ فَلاَ حُجَّةَ فِيهِ , إذْ لاَ حُجَّةَ إلاَّ فِي قَوْلِهِ عليه السلام أَوْ فِي عَمَلِهِ أَوْ فِيمَا صَحَّ أَنَّهُ عَرَفَهُ فَأَقَرَّهُ , فَسَقَطَ هَذَا الاِحْتِجَاجُ بِهَذَا الْخَبَرِ , لَكِنْ يَلْزَمُ مَنْ احْتَجَّ بِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ كُنَّا نُخْرِجُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَدَقَةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ أَنْ يَحْتَجَّ بِهَذَا الْخَبَرِ ; لاَِنَّهُ أَقْرَبُ إلَى أَنْ يَعْرِفَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُ إلَى أَنْ يَعْرِفَ عَمَلَ بَنِي خُدْرَةَ فِي جِهَةٍ مِنْ جِهَاتِ الْمَدِينَةِ , وَيَلْزَمُ مَنْ شَنَّعَ لِعَمَلِ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، أَنْ يَأْخُذَ بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ هَذَا , فَلاَ يَرَى أَبْوَالَ الْكِلاَبِ ، وَلاَ غَيْرَهَا نَجَسًا , وَلَكِنَّ هَذَا مِمَّا تَنَاقَضُوا فِيهِ. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ فَلاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ , لاَِنَّ فِيهِ أَنَّ الْفَرْثَ كَانَ مَعَهُ دَمٌ , وَلَيْسَ هَذَا دَلِيلاً عِنْدَهُمْ , عَلَى طَهَارَةِ الدَّمِ , فَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يَكُونَ دَلِيلاً عَلَى طَهَارَةِ الْفَرْثِ دُونَ طَهَارَةِ الدَّمِ , وَكِلاَهُمَا مَذْكُورَانِ مَعًا. وَأَيْضًا فَإِنَّ شُعْبَةَ وَسُفْيَانَ وَزَكَرِيَّا بْنَ أَبِي زَائِدَةَ رَوَوْا كُلُّهُمْ هَذَا الْخَبَرَ عَنْ الَّذِي رَوَاهُ عَنْهُ عَلِيُّ بْنُ صَالِحٍ وَهُوَ أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ , فَذَكَرُوا أَنَّ ذَلِكَ كَانَ سَلَى جَزُورٍ , وَهُمْ أَوْثَقُ وَأَحْفَظُ مِنْ عَلِيِّ بْنِ صَالِحٍ , وَرِوَايَتُهُمْ زَائِدَةٌ عَلَى رِوَايَتِهِ , فَإِذَا كَانَ الْفَرْثُ وَالدَّمُ فِي السَّلَى فَهُمَا غَيْرُ طَاهِرَيْنِ , فَلاَ حُكْمَ لَهُمَا , وَالْقَاطِعُ هَهُنَا أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ كَانَ بِمَكَّةَ قَبْلَ وُرُودِ الْحُكْمِ بِتَحْرِيمِ النَّجْوِ وَالدَّمِ , فَصَارَ مَنْسُوخًا بِلاَ شَكٍّ وَبَطَلَ الاِحْتِجَاجُ بِهِ بِكُلِّ حَالٍ. وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فِي الصَّلاَةِ فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ , فَإِنَّهُمْ قَالُوا : إنَّ مَرَابِضَ الْغَنَمِ لاَ تَخْلُو مِنْ أَبْوَالِهَا ، وَلاَ مِنْ أَبْعَارِهَا. . فَقُلْنَا لَهُمْ : أَمَّا قَوْلُكُمْ إنَّهَا لاَ تَخْلُو مِنْ أَبْوَالِهَا ، وَلاَ مِنْ أَبْعَارِهَا فَقَدْ يَبُولُ الرَّاعِي أَيْضًا بَيْنَهَا , وَلَيْسَ ذَلِكَ دَلِيلاً عَلَى طَهَارَةِ بَوْلِ الإِنْسَانِ. وَأَيْضًا فَإِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَبِيعٍ حَدَّثَنَا قَالَ : حدثنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ ، حدثنا أَبُو دَاوُد السِّجِسْتَانِيُّ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ كُرَيْبٍ ، حدثنا الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الْجُعْفِيُّ عَنْ زَائِدَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ فِي الدُّورِ وَأَنْ تُطَيَّبَ وَتُنَظَّفَ. قَالَ عَلِيٌّ : الدُّورُ هِيَ دُورُ السُّكْنَى وَهِيَ أَيْضًا الْمَحَلاَّتِ. تَقُولُ : دَارُ بَنِي سَاعِدَةَ , وَدَارُ بَنِي النَّجَّارِ , دَارُ بَنِي عَبْدِ الأَشْهَلِ. هَكَذَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ كَذَلِكَ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ , فَقَدْ صَحَّ أَمْرُهُ عليه السلام بِتَنْظِيفِ الْمَسَاجِدِ وَتَطْيِيبِهَا , وَهَذَا يُوجِبُ الْكَنْسَ لَهَا مِنْ كُلِّ بَوْلٍ وَبَعْرٍ وَغَيْرِهِ. وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ وَأَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ , كِلاَهُمَا عَنْ عَبْدِ الْوَارِثِ عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْسَنَ النَّاسِ خُلُقًا , فَرُبَّمَا رَأَيْته تَحْضُرُ الصَّلاَةُ فَيَأْمُرُ بِالْبِسَاطِ الَّذِي تَحْتَهُ فَيُكْنَسُ وَيُنْضَحُ ثُمَّ يَؤُمُّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَقُومُ خَلْفَهُ فَيُصَلِّي بِنَا فَهَذَا أَمْرٌ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَنْسِ مَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَنَضْحِهِ. حدثنا أحمد بن محمد بن الجسور ، حدثنا وَهْبُ بْنُ مَسَرَّةَ ، حدثنا ابْنُ وَضَّاحٍ ، حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حدثنا إسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ الْمُنْذِرِ بْنِ الْجَارُودِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ صَنَعَ بَعْضُ عُمُومَتِي لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَعَامًا وَقَالَ : إنِّي أُحِبُّ أَنْ تَأْكُلَ فِي بَيْتِي وَتُصَلِّيَ فِيهِ فَأَتَاهُ وَفِي الْبَيْتِ فَحْلٌ مِنْ تِلْكَ الْفُحُولِ يَعْنِي حَصِيرًا فَأَمَرَ عليه السلام بِجَانِبٍ مِنْهُ فَكُنِسَ وَرُشَّ فَصَلَّى وَصَلَّيْنَا مَعَهُ فَهَذَا أَمْرٌ مِنْهُ عليه الصلاة والسلام بِكَنْسِ مَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَرَشِّهِ بِالْمَاءِ , فَدَخَلَ فِي ذَلِكَ مَرَابِضُ الْغَنَمِ وَغَيْرُهَا. وَأَيْضًا فَإِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ نَفْسَهُ إنَّمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْوَارِثِ عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ عَنْ أَنَسٍ , وَقَدْ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ عَنْ أَنَسٍ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ قَبْلَ أَنْ يُبْنَى الْمَسْجِدُ فَصَحَّ أَنَّ هَذَا كَانَ فِي أَوَّلِ الْهِجْرَةِ قَبْلَ وُرُودِ الأَخْبَارِ بِاجْتِنَابِ كُلِّ نَجْوٍ وَبَوْلٍ. وَأَيْضًا فَإِنَّ يُونُسَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : حدثنا أَبُو عِيسَى بْنُ أَبِي عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ ، حدثنا ابْنُ وَضَّاحٍ ، حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إذَا لَمْ تَجِدُوا إلاَّ مَرَابِضَ الْغَنَمِ وَأَعْطَانَ الإِبِلِ , فَصَلُّوا فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ , وَلاَ تُصَلُّوا فِي مَعَاطِنِ الإِبِلِ. حدثنا حمام ، حدثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ، حدثنا الدَّبَرِيُّ ، حدثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ : أَنُصَلِّي فِي أَعْطَانِ الإِبِلِ فَقَالَ لاَ , قَالَ : أَنُصَلِّي فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ قَالَ نَعَمْ. قَالَ عَلِيٌّ عَبْدُ اللَّهِ هَذَا هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ثِقَةٌ كُوفِيٌّ وَلِيَ قَضَاءَ الرَّيِّ. حدثنا حمام ، حدثنا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبِرْتِيُّ ، حدثنا أَبُو مَعْمَرٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ ، حدثنا يُونُسُ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إذَا أَتَيْتُمْ عَلَى مَرَابِضِ الْغَنَمِ فَصَلُّوا فِيهَا , وَإِذَا أَتَيْتُمْ عَلَى مَبَارِكِ الإِبِلِ فَلاَ تُصَلُّوا فِيهَا , فَإِنَّهَا خُلِقَتْ مِنْ الشَّيَاطِينِ. قال أبو محمد : فَلَوْ كَانَ أَمْرُهُ عليه السلام بِالصَّلاَةِ فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ دَلِيلاً عَلَى طَهَارَةِ أَبْوَالِهَا وَأَبْعَارِهَا , كَانَ نَهْيُهُ عليه السلام عَنْ الصَّلاَةِ فِي أَعْطَانِ الإِبِلِ دَلِيلاً عَلَى نَجَاسَةِ أَبْوَالِهَا وَأَبْعَارِهَا , وَإِنْ كَانَ نَهْيُهُ عليه السلام عَنْ الصَّلاَةِ فِي أَعْطَانِ الإِبِلِ لَيْسَ دَلِيلاً عَلَى نَجَاسَةِ أَبْوَالِهَا , فَلَيْسَ أَمْرُهُ عليه السلام بِالصَّلاَةِ فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ دَلِيلاً عَلَى طَهَارَةِ أَبْوَالِهَا وَأَبْعَارِهَا , وَالْمُفَرِّقُ بَيْنَ ذَلِكَ مُتَحَكِّمٌ بِالْبَاطِلِ , لاَ يَعْجَزُ مَنْ لاَ وَرَعَ لَهُ عَنْ أَنْ يَأْخُذَ بِالطَّرَفِ الثَّانِي بِدَعْوَى كَدَعْوَاهُ. فَإِنْ قَالَ : إنَّمَا نَهَى عَنْ الصَّلاَةِ فِي أَعْطَانِ الإِبِلِ , لاَِنَّهَا خُلِقَتْ مِنْ الشَّيَاطِينِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ قِيلَ لَهُ : وَإِنَّمَا أَمَرَ بِالصَّلاَةِ فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ لاَِنَّهَا مِنْ دَوَابِّ الْجَنَّةِ كَمَا قَدْ صَحَّ ذَلِكَ أَيْضًا فِي الْحَدِيثِ , فَخَرَجَتْ الطَّهَارَةُ وَالنَّجَاسَةُ مِنْ كِلاَ الْخَبَرَيْنِ , فَسَقَطَ التَّعَلُّقُ بِهَذَا الْخَبَرِ جُمْلَةً. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فِي أَبْوَالِ الإِبِلِ وَأَلْبَانِهَا فَلاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ ; لاَِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا أَبَاحَ لِلْعُرَنِيِّينَ شُرْبَ أَبْوَالِ الإِبِلِ وَأَلْبَانِ الإِبِلِ عَلَى سَبِيلِ التَّدَاوِي مِنْ الْمَرَضِ , كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ : حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حدثنا ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ حَجَّاجِ بْنِ أَبِي عُثْمَانَ حَدَّثَنِي أَبُو رَجَاءٍ مَوْلَى أَبِي قِلاَبَةَ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ نَفَرًا مِنْ عُكْلٍ ثَمَانِيَةً قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَايَعُوهُ عَلَى الإِسْلاَمِ , فَاسْتَوْخَمُوا الأَرْضَ وَسَقِمَتْ أَجْسَامُهُمْ , فَشَكَوْا ذَلِكَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : أَلاَ تَخْرُجُونَ مَعَ رَاعِينَا فِي إبِلِهِ فَتُصِيبُونَ مِنْ أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا فَصَحُّوا , فَقَتَلُوا الرَّاعِيَ وَطَرَدُوا الإِبِلَ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُمْ بِذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الدَّوَاءِ مِنْ السَّقَمِ الَّذِي كَانَ أَصَابَهُمْ , وَأَنَّهُمْ صَحَّتْ أَجْسَامُهُمْ بِذَلِكَ , وَالتَّدَاوِي بِمَنْزِلَةِ ضَرُورَةٍ , وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : فإن قيل : قَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا رَوَيْتُمُوهُ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : ذَكَرَ طَارِقُ بْنُ سُوَيْد أَوْ سُوَيْد بْنُ طَارِقٍ أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْخَمْرِ فَنَهَاهُ ثُمَّ سَأَلَهُ فَنَهَاهُ , فَقَالَ : يَا نَبِيَّ اللَّهِ إنَّهَا دَوَاءٌ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لاَ , وَلَكِنَّهَا دَاءٌ وَحَدِيثَ يُونُسَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الدَّوَاءِ الْخَبِيثِ. وَمَا رُوِيَ مِنْ طَرِيقِ جَرِيرٍ عَنْ سُلَيْمَانَ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ حَسَّانَ بْنِ الْمُخَارِقِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَكُمْ فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ. فَهَذَا كُلُّهُ لاَ حُجَّةَ فِيهِ ; لاَِنَّ حَدِيثَ عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلٍ إنَّمَا جَاءَ مِنْ طَرِيقِ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ وَهُوَ يَقْبَلُ التَّلْقِينَ , شَهِدَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ شُعْبَةُ وَغَيْرُهُ , ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمْ يَكُنْ فِيهِ حُجَّةٌ ; لاَِنَّ فِيهِ أَنَّ الْخَمْرَ لَيْسَتْ دَوَاءً , وَإِذْ لَيْسَتْ دَوَاءً فَلاَ خِلاَفَ بَيْنَنَا فِي أَنَّ مَا لَيْسَ دَوَاءً فَلاَ يَحِلُّ تَنَاوُلُهُ إذَا كَانَ حَرَامًا , وَإِنَّمَا خَالَفْنَاهُمْ فِي الدَّوَاءِ , وَجَمِيعُ الْحَاضِرِينَ لاَ يَقُولُونَ بِهَذَا , بَلْ أَصْحَابُنَا وَالْمَالِكِيُّونَ يُبِيحُونَ لِلْمُخْتَنِقِ شُرْبَ الْخَمْرِ إذَا لَمْ يَجِدْ مَا يُسِيغُ أَكْلَهُ بِهِ غَيْرَهَا , وَالْحَنَفِيُّونَ وَالشَّافِعِيُّونَ يُبِيحُونَهَا عِنْدَ شِدَّةِ الْعَطَشِ. وَأَمَّا حَدِيثُ الدَّوَاءِ الْخَبِيثِ فَنَعَمْ وَمَا أَبَاحَهُ اللَّهُ تَعَالَى عِنْدَ الضَّرُورَةِ فَلَيْسَ فِي تِلْكَ الْحَالِ خَبِيثًا , بَلْ هُوَ حَلاَلٌ طَيِّبٌ ; لاَِنَّ الْحَلاَلَ لَيْسَ خَبِيثًا.فَصَحَّ أَنَّ الدَّوَاءَ الْخَبِيثَ هُوَ الْقَتَّالُ الْمَخُوفُ , عَلَى أَنَّ يُونُسَ بْنَ أَبِي إِسْحَاقَ الَّذِي انْفَرَدَ بِهِ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ. وَأَمَّا حَدِيثُ لَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ شِفَاءَكُمْ فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ فَبَاطِلٌ لاَِنَّ رَاوِيَهُ سُلَيْمَانُ الشَّيْبَانِيُّ وَهُوَ مَجْهُولٌ. وَقَدْ جَاءَ الْيَقِينُ بِإِبَاحَةِ الْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ عِنْدَ خَوْفِ الْهَلاَكِ مِنْ الْجُوعِ فَقَدْ جَعَلَ تَعَالَى شِفَاءَنَا مِنْ الْجُوعِ الْمُهْلِكِ فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْنَا فِي غَيْرِ تِلْكَ الْحَالِ وَنَقُولُ : نَعَمْ إنَّ الشَّيْءَ مَا دَامَ حَرَامًا عَلَيْنَا فَلاَ شِفَاءَ لَنَا فِيهِ , فَإِذَا اُضْطُرِرْنَا إلَيْهِ فَلَمْ يُحَرَّمْ عَلَيْنَا حِينَئِذٍ بَلْ هُوَ حَلاَلٌ , فَهُوَ لَنَا حِينَئِذٍ شِفَاءٌ , وَهَذَا ظَاهِرُ الْخَبَرِ. وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْنَا : وَأَمَّا قَوْلُهُمْ : إنَّ الأَشْيَاءَ عَلَى الإِبَاحَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ فَوَجَدْنَا مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ الْبَلْخِيُّ ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ ، حدثنا الْبُخَارِيُّ ، حدثنا ابْنُ سَلاَّمٍ أَخْبَرَنَا عُبَيْدَةُ بْنُ حُمَيْدٍ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمِعَ صَوْتَ إنْسَانَيْنِ يُعَذَّبَانِ فِي قُبُورِهِمَا فَقَالَ عليه السلام : يُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ وَإِنَّهُ لَكَبِيرٌ , كَانَ أَحَدُهُمَا لاَ يَسْتَتِرُ مِنْ الْبَوْلِ , وَكَانَ الآخَرُ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. قال أبو محمد : كُلُّ كَبِيرٍ فَهُوَ صَغِيرٌ بِالإِضَافَةِ إلَى مَا هُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ مِنْ الشِّرْكِ أَوْ الْقَتْلِ. وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ، حدثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ الضَّرِيرُ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ خَازِمٍ ، حدثنا الأَعْمَشُ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ طَاوُوس ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَبْرَيْنِ فَقَالَ : إنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ , أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ لاَ يَسْتَتِرُ مِنْ الْبَوْلِ , وَأَمَّا الآخَرُ فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ وَذَكَرَ بَاقِيَ الْخَبَرِ. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ الأَعْمَشِ , وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ الأَعْمَشِ , وَمِنْ طَرِيقِ جَرِيرٍ وَشُعْبَةَ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ مُجَاهِدٍ. حَدَّثَنَا يُونُسُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُغِيثٍ ، حدثنا أَبُو عِيسَى بْنُ أَبِي عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ ، حدثنا ابْنُ وَضَّاحٍ ، حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَفَّانَ بْنِ مُسْلِمٍ ، حدثنا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : أَكْثَرُ عَذَابِ الْقَبْرِ فِي الْبَوْلِ وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ أَبِي مُعَاوِيَةَ عَنْ الأَعْمَشِ بِإِسْنَادِهِ. حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْخَوْلاَنِيُّ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُد ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ ، حدثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ هُوَ الْقَطَّانُ عَنْ أَبِي حَزْرَةَ هُوَ يَعْقُوبُ بْنُ مُجَاهِدٍ الْقَاصُّ , حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ أَخُو الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ : كُنَّا عِنْدَ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَتْ : سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : لاَ يُصَلَّى بِحَضْرَةِ طَعَامٍ ، وَلاَ وَهُوَ يُدَافِعُهُ الأَخْبَثَانِ يَعْنِي الْبَوْلَ وَالنَّجْوَ. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ مُسَدَّدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ بِإِسْنَادِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادٍ عَنْ حَاتِمِ بْنِ إسْمَاعِيلَ عَنْ أَبِي حَزْرَةَ. قال أبو محمد : فَافْتَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى النَّاسِ اجْتِنَابَ الْبَوْلِ جُمْلَةً , وَتَوَعَّدَ عَلَى ذَلِكَ بِالْعَذَابِ , وَهَذَا عُمُومٌ لاَ يَجُوزُ أَنْ يُخَصَّ مِنْهُ بَوْلٌ دُونَ بَوْلٍ , فَيَكُونُ فَاعِلُ ذَلِكَ مُدَّعِيًا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَعَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لاَ عِلْمَ لَهُ بِهِ بِالْبَاطِلِ إلاَّ بِنَصٍّ ثَابِتٍ جَلِيٍّ , وَوَجَدْنَاهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ سَمَّى الْبَوْلَ جُمْلَةً وَالنَّجْوَ جُمْلَةً " الأَخْبَثَيْنِ " وَالْخَبِيثُ مُحَرَّمٌ , قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : فَصَحَّ أَنَّ كُلَّ أَخْبَثَ وَخَبِيثٍ فَهُوَ حَرَامٌ. فإن قيل : إنَّمَا خَاطَبَ عليه السلام النَّاسَ فَإِنَّمَا أَرَادَ نَجْوَهُمْ وَبَوْلَهُمْ فَقَطْ. قلنا : نَعَمْ إنَّمَا خَاطَبَ عليه السلام النَّاسَ وَلَكِنْ أَتَى بِالاِسْمِ الأَعَمِّ الَّذِي يَدْخُلُ تَحْتَهُ جِنْسُ الْبَوْلِ وَالنَّجْوِ. وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ مَنْ قَالَ : إنَّمَا أَرَادَ عليه السلام نَجْوَ النَّاسِ خَاصَّةً وَبَوْلَهُمْ وَبَيْنَ مَنْ قَالَ : بَلْ إنَّمَا أَرَادَ عليه السلام بَوْلَ كُلِّ إنْسَانٍ عَلَيْهِ خَاصَّةً لاَ بَوْلَ غَيْرِهِ مِنْ النَّاسِ , وَكَذَلِكَ فِي النَّجْوِ فَصَحَّ أَنَّ الْوَاجِبَ حَمْلُ ذَلِكَ عَلَى مَا تَحْتَ الاِسْمِ الْجَامِعِ لِلْجِنْسِ كُلِّهِ. فإن قيل : إنَّ هَذَا الْخَبَرَ الَّذِي فِيهِ الْعَذَابُ فِي الْبَوْلِ إنَّمَا هُوَ مِنْ رِوَايَةِ الأَعْمَشِ عَنْ مُجَاهِدٍ , وَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهَا , وَأَيْضًا فَإِنَّهُ مَرَّةً رَوَاهُ عَنْ مُجَاهِدٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , وَمَرَّةً عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ طَاوُوس ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , وَأَيْضًا فَإِنَّ ابْنَ رَاهْوَيْهِ وَمُحَمَّدَ بْنَ الْعَلاَءِ وَيَحْيَى وَأَبَا سَعِيدٍ الأَشَجَّ رَوَوْهُ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ الأَعْمَشِ فَقَالُوا فِيهِ كَانَ لاَ يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ وَهَكَذَا رَوَاهُ عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ جَرِيرٍ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ. قال أبو محمد : هَذَا كُلُّهُ لاَ شَيْءَ. أَمَّا رِوَايَةُ الأَعْمَشِ عَنْ مُجَاهِدٍ فَإِنَّ الإِمَامَيْنِ شُعْبَةَ وَوَكِيعًا ذَكَرَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ سَمَاعَ الأَعْمَشِ لَهُ مِنْ مُجَاهِدٍ فَسَقَطَ هَذَا الاِعْتِرَاضُ , وَأَيْضًا فَقَدْ رُوِّينَاهُ آنِفًا مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ الأَعْمَشِ لَكِنْ مِنْ طَرِيقِ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , فَسَقَطَ التَّعَلُّلُ جُمْلَةً. وَأَمَّا رِوَايَةُ هَذَا الْخَبَرِ مَرَّةً عَنْ مُجَاهِدٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمَرَّةً عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ طَاوُوس ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَهَذَا قُوَّةٌ لِلْحَدِيثِ , وَلاَ يَتَعَلَّلُ بِهَذَا إلاَّ جَاهِلٌ مُكَابِرٌ لِلْحَقَائِقِ ; لاَِنَّ كِلَيْهِمَا إمَامٌ , وَكِلاَهُمَا صَحِبَ ابْنَ عَبَّاسٍ الصُّحْبَةَ الطَّوِيلَةَ , فَسَمِعَهُ مُجَاهِدٌ مِنْ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَسَمِعَهُ أَيْضًا مِنْ طَاوُوس ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَرَوَاهُ كَذَلِكَ , وَإِلاَّ فَأَيُّ شَيْءٍ فِي هَذَا مِمَّا يَقْدَحُ فِي الرِّوَايَةِ وَدِدْنَا أَنْ تُبَيِّنُوا لَنَا ذَلِكَ ، وَلاَ سَبِيلَ إلَيْهِ إلاَّ بِدَعْوَى فَاسِدَةٍ لَهِجَ بِهَا قَوْمٌ مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ , وَهُمْ فِيهَا مُخْطِئُونَ عَيْنَ الْخَطَأِ , وَمَنْ قَلَّدَهُمْ أَسْوَأُ حَالاً مِنْهُمْ. وَأَمَّا رِوَايَةُ مَنْ رَوَى " مِنْ بَوْلِهِ " فَقَدْ عَارَضَهُمْ مَنْ هُوَ فَوْقَهُمْ , فَرَوَى هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ، وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ كُلُّهُمْ عَنْ وَكِيعٍ فَقَالُوا " مِنْ الْبَوْلِ " وَرَوَاهُ ابْنُ عَوْنٍ ، وَابْنُ جَرِيرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فَقَالاَ : " مِنْ الْبَوْلِ " وَرَوَاهُ شُعْبَةُ وَعُبَيْدَةُ بْنُ حُمَيْدٍ , كِلاَهُمَا عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فَقَالاَ : " مِنْ الْبَوْلِ " وَرَوَاهُ شُعْبَةُ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ الضَّرِيرُ وَعَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ كُلُّهُمْ عَنْ الأَعْمَشِ فَقَالُوا " مِنْ الْبَوْلِ " فَكِلاَ الرِّوَايَتَيْنِ حَقٌّ , وَرِوَايَةُ هَؤُلاَءِ تَزِيدُ عَلَى رِوَايَةِ الآخَرِينَ وَزِيَادَةُ الْعَدْلِ وَاجِبٌ قَبُولُهَا , فَسَقَطَ كُلُّ مَا تَعَلَّلُوا بِهِ , وَصَحَّ فَرْضًا وُجُوبُ اجْتِنَابِ كُلِّ بَوْلٍ وَنَجْوٍ. وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا جُمْلَةٌ مِنْ السَّلَفِ , كَمَا حَدَّثَنَا حمام ، حدثنا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبِرْتِيُّ الْقَاضِي ، حدثنا أَبُو مَعْمَرٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ ، حدثنا عُمَارَةُ بْنُ أَبِي حَفْصَةَ حَدَّثَنِي أَبُو مِجْلَزٍ قَالَ : سَأَلْت ابْنَ عُمَرَ عَنْ بَوْلِ نَاقَتِي قَالَ اغْسِلْ مَا أَصَابَك مِنْهُ. وَعَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ عَنْ الْمُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ سَلْمِ بْنِ أَبِي الذَّيَّالِ عَنْ صَالِحٍ الدَّهَّانِ عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ : الأَبْوَالُ كُلُّهَا أَنْجَاسٌ. وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ " الْبَوْلُ كُلُّهُ يُغْسَلُ " وَعَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ " الرَّشُّ بِالرَّشِّ وَالصَّبُّ بِالصَّبِّ مِنْ الأَبْوَالِ كُلِّهَا " وَعَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ فِيمَا يُصِيبُ الرَّاعِيَ مِنْ أَبْوَالِ الإِبِلِ قَالَ " يُنْضَحُ " وَعَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى إسْرَائِيلَ قَالَ " كُنْت مَعَ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ فَسَقَطَ عَلَيْهِ بَوْلُ خُفَّاشٍ فَنَضَحَهُ , وَقَالَ مَا كُنْت أَرَى النَّضْحَ شَيْئًا حَتَّى بَلَغَنِي عَنْ سَبْعَةٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَعَنْ وَكِيعٍ عَنْ شُعْبَةَ قَالَ " سَأَلْت حَمَّادَ بْنَ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ بَوْلِ الشَّاةِ , فَقَالَ اغْسِلْهُ. وَعَنْ حَمَّادٍ أَيْضًا فِي بَوْلِ الْبَعِيرِ مِثْلُ ذَلِكَ. قال أبو محمد " وَأَمَّا قَوْلُ زُفَرَ فَلاَ مُتَعَلِّقَ لَهُ بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الأَخْبَارِ , لِمَا نَذْكُرُهُ فِي إفْسَادِ قَوْلِ مَالِكٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى لَكِنَّ تَعَلُّقَ مَنْ ذَهَبَ مَذْهَبَهُ بِحَدِيثٍ رَوَاهُ عِيسَى بْنُ مُوسَى بْنِ أَبِي حَرْبٍ الصَّفَّارُ عَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ عَنْ سَوَّارِ بْنِ مُصْعَبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ أَبِي الْجَهْمِ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أُكِلَ لَحْمُهُ فَلاَ بَأْسَ بِبَوْلِهِ. قال علي : هذا خَبَرٌ بَاطِلٌ مَوْضُوعٌ ; لاَِنَّ سَوَّارَ بْنَ مُصْعَبٍ مَتْرُوكٌ عِنْدَ جَمِيعِ أَهْلِ النَّقْلِ , مُتَّفَقٌ عَلَى تَرْكِ الرِّوَايَةِ عَنْهُ , يَرْوِي الْمَوْضُوعَاتِ. فَإِذَا سَقَطَ هَذَا فَإِنَّ زُفَرَ قَاسَ بَعْضَ الأَبْوَالِ عَلَى بَعْضٍ , وَلَمْ يَقِسْ النَّجْوَ عَلَى الْبَوْلِ , وَهَذَا هُوَ الَّذِي أَنْكَرَهُ أَصْحَابُهُ عَلَيْنَا فِي تَفْرِيقِنَا بَيْنَ حُكْمِ الْبَائِلِ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ وَبَيْنَ الْمُتَغَوِّطِ فِيهِ , إلاَّ أَنَّنَا نَحْنُ قُلْنَاهُ اتِّبَاعًا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ زُفَرُ بِرَأْيِهِ الْفَاسِدِ. وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فَظَاهِرُ الْخَطَإِ , لاَِنَّهُ لَيْسَ فِيمَا احْتَجَّ بِهِ إلاَّ أَبْوَالُ الإِبِلِ فَقَطْ , وَاسْتِدْلاَلٌ عَلَى بَوْلِ الْغَنَمِ وَبَعْرِهَا فَقَطْ , فَأَدْخَلَ هُوَ فِي حُكْمِ الطَّهَارَةِ أَبْوَالَ الْبَقَرِ وَأَخْثَاءَهَا وَأَبْعَارَ الإِبِلِ وَبَعْرَ كُلِّ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَبَوْلُهُ. فَإِنْ قَالُوا فَعَلْنَا ذَلِكَ قِيَاسًا لِمَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ عَلَى مَا لاَ يُؤْكَلُ لَحْمُهُ , قلنا لَهُمْ فَهَلاَّ قِسْتُمْ عَلَى الإِبِلِ وَالْغَنَمِ كُلَّ ذِي أَرْبَعٍ ; لاَِنَّهَا ذَوَاتُ أَرْبَعٍ وَذَوَاتُ أَرْبَعٍ أَوْ كُلَّ حَيَوَانٍ , لاَِنَّهُ حَيَوَانٌ وَحَيَوَانٌ أَوْ هَلاَّ قِسْتُمْ كُلَّ مَا عَدَا الإِبِلَ وَالْغَنَمَ الْمَذْكُورَيْنِ فِي الْخَبَرِ عَلَى بَوْلِ الإِنْسَانِ وَنَجْوِهِ الْمُحَرَّمَيْنِ فَهَذِهِ عِلَّةٌ أَعَمُّ مِنْ عِلَّتِكُمْ إنْ كُنْتُمْ تَقُولُونَ بِالأَعَمِّ فِي الْعِلَلِ , فَإِنْ لَجَأْتُمْ هَهُنَا إلَى الْقَوْلِ بِالأَخَصِّ فِي الْعِلَلِ قلنا لَكُمْ , فَهَلاَّ قِسْتُمْ مِنْ الأَنْعَامِ الْمَسْكُوتِ عَنْهَا عَلَى الإِبِلِ وَالْغَنَمِ , وَهِيَ مَا تَكُونُ أُضْحِيَّةً مِنْ الْبَقَرِ فَقَطْ , كَمَا الإِبِلُ وَالْغَنَمُ تَكُونُ أُضْحِيَّةً , أَوْ مَا يَكُونُ فِيهِ الزَّكَاةُ مِنْ الْبَقَرِ فَقَطْ , كَمَا يَكُونُ فِي الإِبِلِ وَالْغَنَمِ , أَوْ مَا يَجُوزُ ذَبْحُهُ لِلْمُحْرِمِ مِنْ الْبَقَرِ خَاصَّةً , كَمَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الإِبِلِ وَالْغَنَمِ , دُونَ أَنْ تَقِيسُوا عَلَى الإِبِلِ وَالْغَنَمِ وَالصَّيْدِ وَالطَّيْرِ فَهَذَا أَخَصُّ مِنْ عِلَّتِكُمْ , فَظَهَرَ فَسَادُ قِيَاسِهِمْ جُمْلَةً يَقِينًا. فَإِنْ قَالُوا : قِسْنَا أَبْوَالَ كُلِّ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَأَنْجَاءَهَا عَلَى أَلْبَانِهَا. قلنا لَهُمْ : فَهَلاَّ قِسْتُمْ أَبْوَالَهَا عَلَى دِمَائِهَا فَأَوْجَبْتُمْ نَجَاسَةَ كُلِّ ذَلِكَ وَأَيْضًا فَلَيْسَ لِلذُّكُورِ مِنْهَا ، وَلاَ لِلطَّيْرِ أَلْبَانٌ فَتُقَاسُ أَبْوَالُهَا وَأَنْجَاؤُهَا عَلَيْهَا. وَأَيْضًا فَقَدْ جَاءَ الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ وَالإِجْمَاعُ الْمُتَيَقَّنُ بِإِفْسَادِ عِلَّتِكُمْ هَذِهِ وَإِبْطَالِ قِيَاسِكُمْ هَذَا , لِصِحَّةِ كُلِّ ذَلِكَ بِأَنْ لاَ تُقَاسَ أَبْوَالُ النِّسَاءِ وَنَجْوُهُنَّ عَلَى أَلْبَانِهِنَّ فِي الطَّهَارَةِ وَالاِسْتِحْلاَلِ. وَهَذَا لاَ مَخْلَصَ مِنْهُ أَلْبَتَّةَ. وَهَلاَّ قَاسُوا كُلَّ ذِي رِجْلَيْنِ مِنْ الطَّيْرِ فِي نَجْوِهِ عَلَى نَجْوِ الإِنْسَانِ فَهُوَ ذُو رِجْلَيْنِ فَكُلُّ هَذِهِ قِيَاسَاتٌ كَقِيَاسِكُمْ أَوْ أَظْهَرُ , وَهَذَا يَرَى مَنْ نَصَحَ نَفْسَهُ إبْطَالَ الْقِيَاسِ جُمْلَةً , وَصَحَّ أَنَّ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَأَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَاطِلٌ بِيَقِينٍ , لاَِنَّهُمْ لاَ شَيْئًا مِنْ النُّصُوصِ اتَّبَعُوا ، وَلاَ شَيْئًا مِنْ الْقِيَاسِ ضَبَطُوا , وَلاَ بِقَوْلِ أَحَدٍ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ تَعَلَّقُوا , لاَ سِيَّمَا تَفْرِيقُ مَالِكٍ بَيْنَ بَوْلِ مَا شَرِبَ مَاءً نَجِسًا فَقَالَ بِنَجَاسَةِ بَوْلِهِ , وَبَيْنَ بَوْلِ مَا شَرِبَ مَاءً طَاهِرًا فَقَالَ بِطَهَارَةِ بَوْلِهِ , وَهُوَ يَرَى لَحْمَ الدَّجَاجِ حَلاَلاً طَيِّبًا , هَذَا وَهُوَ يَرَاهُ مُتَوَلِّدًا عَنْ الْمَيْتَاتِ وَالْعَذِرَةِ , وَهَذَا تَنَاقُضٌ لاَ خَفَاءَ بِهِ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ وَالصُّوفُ وَالْوَبَرُ وَالْقَرْنُ وَالسِّنُّ يُؤْخَذُ مِنْ حَيٍّ فَهُوَ طَاهِرٌ ، وَلاَ يَحِلُّ أَكْلُهُ. بُرْهَانُ ذَلِكَ أَنَّ الْحَيَّ طَاهِرٌ وَبَعْضُ الطَّاهِرِ طَاهِرٌ , وَالْحَيُّ لاَ يَحِلُّ أَكْلُهُ , وَبَعْضُ مَا لاَ يَحِلُّ أَكْلُهُ لاَ يَحِلُّ أَكْلُهُ. وَكُلُّ ذَلِكَ مِنْ الْكَافِرِ نَجِسٌ وَمِنْ الْمُؤْمِنِ طَاهِرٌ , وَالْقَيْحُ مِنْ الْمُسْلِمِ وَالْقَلْسُ وَالْقَصَّةُ الْبَيْضَاءُ وَكُلُّ مَا قُطِعَ مِنْهُ حَيًّا أَوْ مَيِّتًا وَلَبَنُ الْمُؤْمِنَةِ , كُلُّ ذَلِكَ طَاهِرٌ , وَكُلُّ ذَلِكَ مِنْ الْكَافِرِ وَالْكَافِرَةِ نَجِسٌ. بُرْهَانُ ذَلِكَ مَا قَدْ ذَكَرْنَا مِنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ بِإِسْنَادِهِ قَبْلُ , وَبَعْضُ النَّجَسِ نَجَسٌ , وَبَعْضُ الطُّهْرِ طَاهِرٌ , لاَِنَّ الْكُلَّ لَيْسَ هُوَ شَيْئًا غَيْرَ أَبْعَاضِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَلْبَانُ الْجَلاَّلَةِ حَرَامٌ , وَهِيَ الإِبِلُ الَّتِي تَأْكُلُ الْجُلَّةَ وَهِيَ الْعَذِرَةُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ كَذَلِكَ , فَإِنْ مُنِعَتْ مِنْ أَكْلِهَا حَتَّى سَقَطَ عَنْهَا اسْمُ جَلاَّلَةٍ , فَأَلْبَانُهَا حَلاَلٌ طَاهِرَةٌ. حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْخَوْلاَنِيُّ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ ، حدثنا أَبُو دَاوُد ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ , قَالَ ابْنُ الْمُثَنَّى ، حدثنا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ ، حدثنا هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ لَبَنِ الْجَلاَّلَةِ وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ : حَدَّثَنَا عَبْدَةُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَكْلِ الْجَلاَّلَةِ وَأَلْبَانِهَا. وَالْوُضُوءُ بِالْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ جَائِزٌ , وَكَذَلِكَ الْغُسْلُ بِهِ لِلْجَنَابَةِ , وَسَوَاءٌ وُجِدَ مَاءٌ آخَرُ غَيْرُهُ أَوْ لَمْ يُوجَدْ , وَهُوَ الْمَاءُ الَّذِي تَوَضَّأَ بِهِ بِعَيْنِهِ لِفَرِيضَةٍ أَوْ نَافِلَةٍ أَوْ اغْتَسَلَ بِهِ بِعَيْنِهِ لِجَنَابَةٍ أَوْ غَيْرِهَا , وَسَوَاءٌ كَانَ الْمُتَوَضِّئُ بِهِ رَجُلاً أَوْ امْرَأَةً. بُرْهَانُ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَجُعِلَتْ لَنَا الأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدًا وَجُعِلَتْ تُرْبَتُهَا لَنَا طَهُورًا إذَا لَمْ نَجِدِ الْمَاءَ فَعَمَّ أَيْضًا عليه السلام وَلَمْ يَخُصَّ , فَلاَ يَحِلُّ تَخْصِيصُ مَاءٍ بِالْمَنْعِ لَمْ يَخُصُّهُ نَصٌّ آخَرُ أَوْ إجْمَاعٌ مُتَيَقَّنٌ. حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا ابْنُ السُّلَيْمِ ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ، حدثنا أَبُو دَاوُد ، حدثنا مُسَدَّدٌ ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دَاوُد وَهُوَ الْخُرَيْبِيُّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ عَنْ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ قَالَتْ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ بِرَأْسِهِ مِنْ فَضْلِ مَاءٍ كَانَ بِيَدِهِ. وَأَمَّا مِنْ الإِجْمَاعِ فَلاَ يَخْتَلِفُ اثْنَانِ مِنْ أَهْلِ الإِسْلاَمِ فِي أَنَّ كُلَّ مُتَوَضِّئٍ فَإِنَّهُ يَأْخُذُ الْمَاءَ فَيَغْسِلُ بِهِ ذِرَاعَيْهِ مِنْ أَطْرَافِ أَصَابِعِهِ إلَى مِرْفَقِهِ , وَهَكَذَا كُلُّ عُضْوٍ فِي الْوُضُوءِ وَفِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ , وَبِالضَّرُورَةِ وَالْحِسِّ يَدْرِي كُلُّ مُشَاهِدٍ لِذَلِكَ أَنَّ ذَلِكَ الْمَاءَ قَدْ وُضِّئَتْ بِهِ الْكَفُّ وَغُسِلَتْ , ثُمَّ غُسِلَ بِهِ أَوَّلُ الذِّرَاعِ ثُمَّ آخِرُهُ , وَهَذَا مَاءٌ مُسْتَعْمَلٌ بِيَقِينٍ , ثُمَّ إنَّهُ يَرُدُّ يَدَهُ إلَى الإِنَاءِ وَهِيَ تَقْطُرُ مِنْ الْمَاءِ الَّذِي طَهَّرَ بِهِ الْعُضْوَ , فَيَأْخُذُ مَاءً آخَرَ لِلْعُضْوِ الآخَرِ , فَبِالضَّرُورَةِ يَدْرِي كُلُّ ذِي حِسٍّ سَلِيمٍ أَنَّهُ لَمْ يُطَهِّرْ الْعُضْوَ الثَّانِي إلاَّ بِمَاءٍ جَدِيدٍ قَدْ مَازَجَهُ مَاءٌ آخَرُ مُسْتَعْمَلٌ فِي تَطْهِيرِ عُضْوٍ آخَرَ وَهَذَا مَا لاَ مَخْلَصَ مِنْهُ. وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ , وَهُوَ أَيْضًا قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَأَبِي ثَوْرٍ وَدَاوُد وَجَمِيعِ أَصْحَابِنَا. وقال مالك : يَتَوَضَّأُ بِهِ إنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ ، وَلاَ يَتَيَمَّمُ. وقال أبو حنيفة : لاَ يَجُوزُ الْغُسْلُ ، وَلاَ الْوُضُوءُ بِمَاءٍ قَدْ تَوَضَّأَ بِهِ أَوْ اغْتَسَلَ بِهِ , وَيُكْرَهُ شُرْبُهُ , وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ طَاهِرٌ , وَالأَظْهَرُ عَنْهُ أَنَّهُ نَجِسٌ , وَهُوَ الَّذِي رُوِيَ عَنْهُ نَصَّا , وَأَنَّهُ لاَ يَنْجَسُ الثَّوْبُ إذَا أَصَابَهُ الْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ إلاَّ أَنْ يَكُونَ كَثِيرًا فَاحِشًا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : إنْ كَانَ الَّذِي أَصَابَ الثَّوْبَ مِنْهُ شِبْرٌ فِي شِبْرٍ فَقَدْ نَجَّسَهُ , وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ لَمْ يُنَجِّسْهُ. وقال أبو حنيفة وَأَبُو يُوسُفَ إنْ كَانَ رَجُلٌ طَاهِرٌ قَدْ تَوَضَّأَ لِلصَّلاَةِ أَوْ لَمْ يَتَوَضَّأْ لَهَا فَتَوَضَّأَ فِي بِئْرٍ فَقَدْ تَنَجَّسَ مَاؤُهَا كُلُّهُ وَتُنْزَحُ كُلُّهَا , وَلاَ يَجْزِيه ذَلِكَ الْوُضُوءُ إنْ كَانَ غَيْرَ مُتَوَضِّئٍ , فَإِنْ اغْتَسَلَ فِيهَا أَرْضًا أَنْجَسَهَا كُلَّهَا. وَكَذَلِكَ لَوْ اغْتَسَلَ وَهُوَ طَاهِرٌ غَيْرُ جُنُبٍ فِي سَبْعَةِ آبَارٍ نَجَّسَهَا كُلَّهَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : يُنَجِّسُهَا كُلَّهَا وَلَوْ أَنَّهَا عِشْرُونَ بِئْرًا , وَقَالاَ جَمِيعًا : لاَ يَجْزِيه ذَلِكَ الْغُسْلُ , فَإِنْ طَهَّرَ فِيهَا يَدَهُ أَوْ رِجْلَهُ فَقَدْ تَنَجَّسَتْ كُلُّهَا , فَإِنْ كَانَ عَلَى ذِرَاعَيْهِ جَبَائِرُ أَوْ عَلَى أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ جَبَائِرُ فَغَمَسَهَا فِي الْبِئْرِ يَنْوِي بِذَلِكَ الْمَسْحَ عَلَيْهَا لَمْ يُجِزْهُ وَتَنَجَّسَ مَاؤُهَا كُلُّهُ , فَلَوْ كَانَ عَلَى أَصَابِعِ يَدِهِ جَبَائِرُ فَغَمَسَهَا فِي الْبِئْرِ يَنْوِي بِذَلِكَ الْمَسْحَ عَلَيْهَا أَجْزَأَهُ وَلَمْ يُنَجِّسْ مَاؤُهَا الْيَدَ بِخِلاَفِ سَائِرِ الأَعْضَاءِ , فَلَوْ انْغَمَسَ فِيهَا وَلَمْ يَنْوِ غُسْلاً ، وَلاَ وُضُوءًا ، وَلاَ تَدَلَّكَ فِيهَا لَمْ يُنَجِّسْ الْمَاءَ حَتَّى يَنْوِيَ الْغُسْلَ أَوْ الْوُضُوءَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : لاَ يَطْهُرُ بِذَلِكَ الاِنْغِمَاسُ , وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ : يَطْهُرُ بِهِ. قَالَ أَبُو يُوسُفَ : فَإِنْ غَمَسَ رَأْسه يَنْوِي الْمَسْحَ عَلَيْهِ لَمْ يُنَجِّسْ الْمَاءَ , وَإِنَّمَا يُنَجِّسُهُ نِيَّةُ تَطْهِيرِ عُضْوٍ يَلْزَمُ فِيهِ الْغُسْلُ , قَالَ فَلَوْ غَسَلَ بَعْضَ يَدِهِ بِنِيَّةِ الْوُضُوءِ أَوْ الْغُسْلِ لَمْ يُنَجِّسْ الْمَاءَ حَتَّى يَغْسِلَ الْعُضْوَ بِكَمَالِهِ , فَلَوْ غَمَسَ رَأْسَهُ أَوْ خُفَّهُ يَنْوِي بِذَلِكَ الْمَسْحَ أَجْزَأَهُ وَلَمْ يُفْسِدْ الْمَاءَ , وَإِنَّمَا يُفْسِدُهُ نِيَّةُ الْغُسْلِ لاَ نِيَّةُ الْمَسْحِ. وَهَذِهِ أَقُولُ هِيَ إلَى الْهَوَسِ أَقْرَبُ مِنْهَا إلَى مَا يُعْقَلُ. وقال الشافعي : لاَ يُجْزِئُ الْوُضُوءُ ، وَلاَ الْغُسْلُ بِمَاءٍ قَدْ اغْتَسَلَ بِهِ أَوْ تَوَضَّأَ بِهِ وَهُوَ طَاهِرٌ كُلُّهُ , وَأَصْفَقَ أَصْحَابُهُ عَلَى أَنَّ مَنْ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي الإِنَاءِ لِيَتَوَضَّأَ فَأَخَذَ الْمَاءَ فَتَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ وَغَسَلَ وَجْهَهُ ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي الإِنَاءِ فَقَدْ حَرُمَ الْوُضُوءُ بِذَلِكَ الْمَاءِ ; لاَِنَّهُ قَدْ صَارَ مَاء مُسْتَعْمَلاً , وَإِنَّمَا يَجِبُ أَنْ يَصُبَّ مِنْهُ عَلَى يَدِهِ , فَإِذَا وَضَّأَهَا أَدْخَلَهَا حِينَئِذٍ فِي الإِنَاءِ. قال أبو محمد : وَاحْتَجَّ مَنْ مَنَعَ ذَلِكَ بِالْحَدِيثِ الثَّابِتِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ نَهْيِهِ الْجُنُبَ أَنْ يَغْتَسِلَ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ. قال أبو محمد : وَقَالُوا : إنَّمَا نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ , لاَِنَّ الْمَاءَ يَصِيرُ مُسْتَعْمَلاً , وَقَالَ بَعْضُ مَنْ خَالَفَهُمْ : بَلْ مَا نَهَى عَنْ ذَلِكَ عليه السلام إلاَّ خَوْفَ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ إحْلِيلِهِ شَيْءٌ يُنَجِّسُ الْمَاءَ. قال أبو محمد : وَكِلاَ الْقَوْلَيْنِ بَاطِلٌ نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ مِثْلِهِ , وَمِنْ أَنْ نُقَوِّلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لَمْ يَقُلْ , وَأَنْ نُخْبِرَ عَنْهُ مَا لَمْ يُخْبِرْ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ ، وَلاَ فَعَلَهُ , فَهَذَا هُوَ الْكَذِبُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ مِمَّنْ قَطَعَ بِهِ , فَإِنْ لَمْ يَقْطَعْ بِهِ فَإِنَّمَا هُوَ ظَنٌّ , وَقَدْ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ : وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ ، وَلاَ بُدَّ لِمَنْ قَالَ بِأَحَدِ هَذَيْنِ التَّأْوِيلَيْنِ مِنْ إحْدَى هَاتَيْنِ الْمَنْزِلَتَيْنِ , فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهَذَا الْخَبَرِ جُمْلَةً. وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ فَقَالَ : لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ لِلْمُتَوَضِّئِ ، وَلاَ لِلْمُغْتَسَلِ أَنْ يُرَدِّدَ ذَلِكَ الْمَاءَ عَلَى أَعْضَائِهِ , بَلْ أَوْجَبُوا عَلَيْهِ أَخْذُ مَاءٍ جَدِيدٍ , وَبِذَلِكَ جَاءَ عَمَلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ فَوَجَبَ أَنْ لاَ يُجْزِئَ. قال أبو محمد : وَهَذَا بَاطِلٌ , لاَِنَّهُ لَمْ يَنْهَ أَحَدٌ مِنْ السَّلَفِ عَنْ تَرْدِيدِ الْمَاءِ عَلَى الأَعْضَاءِ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ , وَلاَ نَهَى عَنْهُ عليه السلام قَطَّ. وَيُقَالُ لِلْحَنَفِيِّينَ : قَدْ أَجَزْتُمْ تَنْكِيسَ الْوُضُوءِ , وَلَمْ يَأْتِ قَطُّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نَكَّسَ وُضُوءُهُ , وَلاَ أَنَّ أَحَدًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَعَلَ ذَلِكَ , فَأَخْذُهُ عليه السلام مَاءً جَدِيدًا لِكُلِّ عُضْوٍ إنَّمَا هُوَ فِعْلٌ مِنْهُ عليه السلام , وَأَفْعَالُهُ عليه السلام لاَ تُلْزَمُ. وَقَدْ صَحَّ عَنْهُ مَسَحُ رَأْسِهِ الْمُقَدَّسِ بِفَضْلِ مَاءٍ مُسْتَعْمَلٍ. فإن قيل : قَدْ رُوِيَ يُؤْخَذُ لِلرَّأْسِ مَاءٌ جَدِيدٌ. قلنا : إنَّمَا رَوَاهُ دَهْثَمُ بْنُ قِرَانٍ وَهُوَ سَاقِطُ لاَ يُحْتَجُّ بِهِ عَنْ نِمْرَانَ بْنِ جَارِيَةَ وَهُوَ غَيْرُ مَعْرُوفٍ فَكَيْف وَقَدْ أَبَاحَ عليه السلام غُسْلَ الْجَنَابَةِ بِغَيْرِ تَجْدِيدِ مَاءٍ. كَمَا حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيم وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ ، وَابْنُ أَبِي عُمَرَ كُلُّهُمْ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَافِعٍ مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهَا فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ إنَّمَا يَكْفِيكِ أَنْ تَحْثِيَ عَلَى رَأْسِكِ ثَلاَثَ حَثَيَاتٍ ثُمَّ تُفِيضِينَ عَلَيْكِ الْمَاءَ فَتَطْهُرِينَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ ، حدثنا الْبُخَارِيُّ ، حدثنا أَبُو نُعَيْمٍ هُوَ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ ، حدثنا مَعْمَرُ بْنُ يَحْيَى بْنِ سَامٍ حَدَّثَنِي أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ قَالَ لِي جَابِرٌ سَأَلَنِي ابْنُ عَمِّكَ فَقَالَ : كَيْفَ الْغُسْلُ مِنْ الْجَنَابَةِ فَقُلْت : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْخُذُ ثَلاَثَةَ أَكُفٍّ وَيُفِيضُهَا عَلَى رَأْسِهِ ثُمَّ يُفِيضُ عَلَى سَائِرِ جَسَدِهِ. قال أبو محمد وَلَوْ كَانَ مَا قَالَهُ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ تَنَجُّسِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ لَمَا صَحَّ طُهْرٌ ، وَلاَ وُضُوءٌ ، وَلاَ صَلاَةٌ لاَِحَدٍ أَبَدًا , لاَِنَّ الْمَاءَ الَّذِي يُفِيضُهُ الْمُغْتَسِلُ عَلَى جَسَدِهِ يُطَهِّرُ مَنْكِبَيْهِ وَصَدْرَهُ , ثُمَّ يَنْحَدِرُ إلَى ظَهْرِهِ وَبَطْنِهِ , فَكَانَ يَكُونُ كُلُّ أَحَدٍ مُغْتَسِلاً بِمَاءٍ نَجِسٍ , وَمَعَاذَ اللَّهِ مِنْ هَذَا , وَهَكَذَا فِي غَسْلِهِ ذِرَاعَهُ وَوَجْهَهُ وَرِجْلَهُ فِي الْوُضُوءِ , لاَِنَّهُ لاَ يَغْسِلُ ذِرَاعَهُ إلاَّ بِالْمَاءِ الَّذِي غَسَلَ بِهِ كَفَّهُ , وَلاَ يَغْسِلُ أَسْفَلَ وَجْهِهِ إلاَّ بِالْمَاءِ الَّذِي قَدْ غَسَلَ بِهِ أَعْلاَهُ وَكَذَلِكَ رِجْلُهُ. وقال بعضهم : الْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ لاَ بُدَّ مِنْ أَنْ يَصْحَبَهُ مِنْ عَرَقِ الْجِسْمِ فِي الْغُسْلِ وَالْوُضُوءِ شَيْءٌ فَهُوَ مَاءٌ مُضَافٌ. قال أبو محمد : وَهَذَا غَثٌّ جِدًّا , وَحَتَّى لَوْ كَانَ كَمَا قَالُوا فَكَانَ مَاذَا وَمَتَى حَرُمَ الْوُضُوءُ وَالْغُسْلُ بِمَاءٍ فِيهِ شَيْءٌ طَاهِرٌ لاَ يَظْهَرُ لَهُ فِي الْمَاءِ رَسْمٌ فَكَيْفَ وَهُمْ يُجِيزُونَ الْوُضُوءَ بِمَاءٍ قَدْ تَبَرَّدَ فِيهِ مِنْ الْحَرِّ وَهَذَا أَكْثَرُ فِي أَنْ يَكُونَ فِيهِ الْعَرَقُ مِنْ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ. وقال بعضهم : قَدْ جَاءَ أَثَرٌ بِأَنَّ الْخَطَايَا تَخْرُجُ مَعَ غَسْلِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ. قلنا : نَعَمْ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ فَكَانَ مَاذَا وَإِنَّ هَذَا لَمِمَّا يَغِيطُ بِاسْتِعْمَالِهِ مِرَارًا إنْ أَمْكَنَ لِفَضْلِهِ , وَمَا عَلِمْنَا لِلْخَطَايَا أَجْرَامًا تَحِلُّ فِي الْمَاءِ. وقال بعضهم : الْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ كَحَصَى الْجِمَارِ الَّذِي رَمَى بِهِ لاَ يَجُوزُ أَنْ يَرْمِيَ بِهِ ثَانِيَةً. قال أبو محمد : وَهَذَا بَاطِلٌ , بَلْ حَصَى الْجِمَارِ إذَا رَمَى بِهَا فَجَائِزٌ أَخْذُهَا وَالرَّمْيُ بِهَا ثَانِيَةٌ , وَمَا نَدْرِي شَيْئًا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ , وَكَذَلِكَ التُّرَابُ الَّذِي تَيَمَّمَ بِهِ فَالتَّيَمُّمُ بِهِ جَائِزٌ وَالثَّوْبُ الَّذِي سُتِرَتْ بِهِ الْعَوْرَةُ فِي الصَّلاَةِ جَائِزٌ أَنْ تُسْتَرَ بِهِ أَيْضًا الْعَوْرَةُ فِي صَلاَةٍ أُخْرَى , فَإِنْ كَانُوا أَهْلَ قِيَاسٍ فَهَذَا كُلُّهُ بَابٌ وَاحِدٌ. وقال بعضهم : الْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ بِمَنْزِلَةِ الْمَاءِ الَّذِي طُبِخَ فِيهِ فُولٌ أَوْ حِمَّصٌ. قال علي : وهذا هَوَسٌ مَرْدُودٌ عَلَى قَائِلِهِ , وَمَا نَدْرِي شَيْئًا يَمْنَعُ مِنْ جَوَازِ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ بِمَاءٍ طُبِخَ فِيهِ فُولٌ أَوْ حِمَّصٌ أَوْ تُرْمُسٌ أَوْ لُوبْيَا , مَا دَامَ يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ مَاءٍ. وقال بعضهم : لَمَّا لَمْ يُطْلَقْ عَلَى الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ اسْمُ الْمَاءِ مُفْرَدًا دُونَ أَنْ يُتْبَعَ بِاسْمٍ آخَرَ وَجَبَ أَنْ لاَ يَكُونَ فِي حُكْمِ الْمَاءِ الْمُطْلَقِ. قال أبو محمد : وَهَذِهِ حَمَاقَةٌ , بَلْ يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ مَاءٍ فَقَطْ , ثُمَّ لاَ فَرْقَ بَيْنَ قَوْلِنَا مَاءٌ مُسْتَعْمَلٌ فَيُوصَفُ بِذَلِكَ , وَبَيْنَ قَوْلِنَا مَاءٌ مُطْلَقٌ فَيُوصَفُ بِذَلِكَ , وَقَوْلِنَا مَاءٌ مِلْحٌ أَوْ مَاءٌ عَذْبٌ , أَوْ مَاءٌ مُرٌّ , أَوْ مَاءٌ سُخْنٌ أَوْ مَاءُ مَطَرٍ , وَكُلُّ ذَلِكَ لاَ يَمْنَعُ مِنْ جَوَازِ الْوُضُوءِ بِهِ وَالْغُسْلِ. وَلَوْ صَحَّ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فِي نَجَاسَةِ الْمَاءِ الْمُتَوَضَّأِ بِهِ وَالْمُغْتَسَلِ بِهِ لَبَطَلَ أَكْثَرُ الدِّينِ ; لاَِنَّهُ كَانَ الإِنْسَانُ إذَا اغْتَسَلَ أَوْ تَوَضَّأَ ثُمَّ لَبِسَ ثَوْبَهُ لاَ يُصَلِّي إلاَّ بِثَوْبٍ نَجِسٍ كُلِّهِ , وَلَلَزِمَهُ أَنْ يُطَهِّرَ أَعْضَاءَهُ مِنْهُ بِمَاءٍ آخَرَ. وقال بعضهم : لاَ يَنْجَسُ إلاَّ إذَا فَارَقَ الأَعْضَاءَ. قال أبو محمد : وَهَذِهِ جُرْأَةٌ عَلَى الْقَوْلِ بِالْبَاطِلِ فِي الدِّينِ بِالدَّعْوَى , وَيُقَالُ لَهُمْ : هَلْ تَنَجَّسَ عِنْدَكُمْ إلاَّ بِالاِسْتِعْمَالِ فَلاَ بُدَّ مِنْ نَعَمْ , فَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ لاَ يَنْجَسَ فِي الْحَالِ الْمُنَجَّسَةِ لَهُ ثُمَّ يَنْجَسَ بَعْدَ ذَلِكَ , وَلاَ جُرْأَةَ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يُقَالَ : هَذَا مَاءٌ طَاهِرٌ تُؤَدَّى بِهِ الْفَرَائِضُ , فَإِذَا تَقَرَّبَ بِهِ إلَى اللَّهِ فِي أَفْضَلِ الأَعْمَالِ مِنْ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ تَنَجَّسَ أَوْ حَرُمَ أَنْ يَتَقَرَّبَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِهِ , وَمَا نَدْرِي مِنْ أَيْنَ وَقَعَ لَهُمْ هَذَا التَّخْلِيطُ. وقال بعضهم : قَدْ جَاءَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ الْجُنُبَ إذَا اغْتَسَلَ فِي الْحَوْضِ أَفْسَدَ مَاءَهُ , وَهَذَا لاَ يَصِحُّ , بَلْ هُوَ مَوْضُوعٌ , وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ الْحَنَفِيُّونَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , وَلاَ نَعْلَمُ مَنْ هُوَ قَبْلَ حَمَّادٍ , وَلاَ نَعْرِفُ لاِِبْرَاهِيمَ سَمَاعًا مِنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالصَّحِيحُ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ خِلاَفُ هَذَا. قال أبو محمد : وَقَدْ ذَكَرْنَا ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَبْلُ خِلاَفَ هَذَا مِنْ قَوْلِهِ : أَرْبَعٌ لاَ تَنْجَسُ الْمَاءُ وَالأَرْضُ وَالإِنْسَانُ , وَذَكَرَ رَابِعًا. وَذَكَرُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تَحْرِيمِهِ الصَّدَقَةَ عَلَى آلِ مُحَمَّدٍ إنَّمَا هِيَ غُسَالَةُ أَيْدِي النَّاسِ. وَعَنْ عُمَرَ مِثْلُ ذَلِكَ. قال أبو محمد : وَهَذَا لاَ حُجَّةَ فِيهِ أَصْلاً , لاَِنَّ اللاَّزِمَ لَهُمْ فِي احْتِجَاجِهِمْ بِهَذَا الْخَبَرِ أَنْ لاَ يُحَرَّمَ ذَلِكَ إلاَّ عَلَى آلِ مُحَمَّدٍ خَاصَّةً , فَإِنَّهُ عليه السلام لَمْ يَكْرَهْ ذَلِكَ ، وَلاَ مَنَعَهُ أَحَدًا غَيْرَهُمْ , بَلْ أَبَاحَهُ لِسَائِرِ النَّاسِ. وَأَمَّا احْتِجَاجُهُمْ بِقَوْلِ عُمَرَ فَإِنَّهُمْ مُخَالِفُونَ لَهُ لاَِنَّهُمْ يُجِيزُونَ فِي أَصْلِ أَقْوَالِهِمْ شُرْبَ ذَلِكَ الْمَاءِ. وَأَيْضًا فَإِنَّ غُسَالَةَ أَيْدِي النَّاسِ غَيْرُ وُضُوئِهِمْ الَّذِي يَتَقَرَّبُونَ بِهِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى , وَلاَ عَجَبَ أَكْثَرُ مِنْ إبَاحَتِهِمْ غُسَالَةَ أَيْدِي النَّاسِ وَفِيهَا جَاءَ مَا احْتَجُّوا بِهِ. وَقَوْلُهُمْ إنَّهَا طَاهِرَةٌ , وَتَحْرِيمُهُمْ الْمَاءَ الَّذِي قَدْ تَوَضَّأَ بِهِ قُرْبَةٌ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَيْنِ الأَثَرَيْنِ نَهْيٌ عَنْهُ , وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الضَّلاَلِ وَتَحْرِيفِ الْكَلِمِ عَنْ مَوَاضِعِهِ. وَنَسْأَلُ أَصْحَابَ الشَّافِعِيِّ عَمَّنْ وَضَّأَ عُضْوًا مِنْ أَعْضَاءِ وُضُوئِهِ فَقَطْ يَنْوِي بِهِ الْوُضُوءَ فِي مَاءٍ دَائِمٍ أَوْ غَسَلَهُ كَذَلِكَ وَهُوَ جُنُبٌ , أَوْ بَعْضَ عُضْوٍ أَوْ بَعْضَ أُصْبُعٍ أَوْ شَعْرَةً وَاحِدَةً أَوْ مَسَحَ شَعْرَةً مِنْ رَأْسِهِ أَوْ خُفِّهِ أَوْ بَعْضَ خُفِّهِ : حَتَّى نَعْرِفَ أَقْوَالَهُمْ فِي ذَلِكَ. وَقَدْ صَحَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ وَسَقَى إنْسَانًا ذَلِكَ الْوَضُوءَ , وَأَنَّهُ عليه السلام تَوَضَّأَ وَصَبَّ وَضُوءَهُ عَلَى جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ , وَأَنَّهُ عليه السلام كَانَ إذَا تَوَضَّأَ تَمَسَّحَ النَّاسُ بِوَضُوئِهِ , فَقَالُوا بِآرَائِهِمْ الْمَلْعُونَةِ : إنَّ الْمُسْلِمَ الطَّاهِرَ النَّظِيفَ إذَا تَوَضَّأَ بِمَاءٍ طَاهِرٍ ثُمَّ صَبَّ ذَلِكَ الْمَاءَ فِي بِئْرٍ فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ لَوْ صُبَّ فِيهَا فَأْرٌ مَيِّتٌ أَوْ نَجِسٌ , وَنَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ مِنْ هَذَا الْقَوْلِ. وَوَنِيمُ الذُّبَابِ وَالْبَرَاغِيثِ وَالنَّحْلِ وَبَوْلُ الْخُفَّاشِ إنْ كَانَ لاَ يُمْكِنُ التَّحَفُّظُ مِنْهُ وَكَانَ فِي غَسْلِهِ حَرَجٌ أَوْ عُسْرٌ لَمْ يَلْزَمْ مِنْ غَسْلِهِ إلاَّ مَا لاَ حَرَجَ فِيهِ ، وَلاَ عُسْرَ. قال أبو محمد : قَدْ قَدَّمْنَا قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى :
|